• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العلاقة المتناغمة بين التفاؤل وإيجابية التفكير

العلاقة المتناغمة بين التفاؤل وإيجابية التفكير

◄المتفائلون تُفعل لديهم آليات التحفيز والتعزيز الذاتي ممّا يمدهم بالقوّة والقدرة على مواجهة التحدّيات وتستيقظ فيهم آلية الإدراك الانتقائي، أي القدرة على رؤية الفرص وأوجه الاقتدار الذاتي والتوفيق بينهما. أمّا المتشائمون فإنّهم يبالغون في التنكر لإيجابيات الحياة ولقدراتهم وإمكاناتهم، فتمر الفرص من أمامهم فلا يرونها لانشغالهم بالتركيز على السلبيات وأوجه القصور لديهم.

تقول هيلين كيلر العمياء الصماء البكماء التي أذهلت العالم بإنجازاتها، وحققت المستحيل بنطقها بل وبتعلّمها خمس لغات والحصول على الدكتوراه الجامعية: «كلّما أغلق باب فتح باب آخر، ولكنّنا نكون غالباً مشغولين بالباب الذي أُغلق».

بل يميل المتفائلون أصحاب السمات الإيجابية بتعميم هذه الصفات على الآخرين فينجذب الناس إليهم ويرتاحون لهم، وبذلك يكتسبون الكثير من العلاقات الإيجابية ممّا يعزز الثقة والتفاؤل لديهم، ويزودهم التفاؤل بطاقة العمل لمدّة أطول وبذل جهد أكبر، انطلاقاً من ثقتهم بجدوى العمل لتحقيق نتائج طيِّبة، وبذلك يعظمون فرص نجاحهم. ولذلك فإنّ التفاؤل يمهّد السبيل لإطلاق الطاقات والقدرات، والتشاؤم يعطلها في غياب القناعة الراسخة بالقدرة على تحقيق الغاية، وينتهي بعدم تحقيقها ولو كان المتشائم أكثر قدرة وموهبة.

يصحح الدكتور تيري باولسون في كتابه (ميزة التفاؤل) مفهوم التفاؤل، ليؤكّد أنّ الشخص المتفائل الحقيقي هو الذي يكسب توجهه الإيجابي عن جدارة نتيجة سجل حافل من الإنجازات والتغلّب على العقبات الحقيقية. فالمتفائل الحقيقي يقوم بالعمل بأحسن طرقه، وتزداد ثقته بالتغلّب على العقبات الواحدة تلو الأُخرى، وينتقل من نصر إلى آخر. وهو بذلك يحسّن تقدير الواقع بما فيه من إيجابيات وسلبيات، ولا يعيش في الأوهام الوردية ولا التفاؤل والأمل الساذج السلبي الذي لا يرافقه بذل الجهد والعمل والصبر ليصبح صورة من صُوَر العجز الخفي المغلّف بمعاني التواكل.

المتفائل يتقبّل واقع الموضوع بمنظور تفكير إيجابي وليس بمجرد استسلام قدري، وباستيعابه لهذا الواقع فإنّ تأثير المحنة عليه سيكون أقل سلبية، بل يعمل على أن يحوّل المحنة إلى فرصة ومنحة بإعطائه المحنة معنى يتيح التعامل الإيجابي معها، ولا يدفن رأسه في الرمال متجاهلاً المحاذير والأخطار.

نشرت مجلة العلوم النفسية في فبراير 2013 نتائج دراسة أثبتت وجود علاقة بين التفكير الإيجابي في الحياة والحالة الصحّية الجيِّدة، لتؤكّد الدراسة أنّ التفاؤل هو المفتاح السحري للصحّة، تقول الباحثة في كلّية الطب بجامعة هارفارد بوليا بويم إنّ الصحّة الجيِّدة لا تقتصر فقط على غياب الأمراض، بل على الطريقة التي ننظر من خلالها إلى الحياة ومتغيراتها. فالتفاؤل والسعادة والمرح يمكن أن تحمي القلب والشرايين من الأمراض ويمكن أن تقلّل من احتمالية الإصابة بالنوبات القلبية والجلطات الدماغية، بل يتصرّف المتفائلون غالباً بطريقة صحّية، فيمارسون الرياضة ويحرصون على اتباع حياة صحّية في المأكل والمشرب والنوم بعيداً عن العادات غير الصحّية.

وفي دراسة هي الأكبر من نوعها تناولت تأثير التفكير الإيجابي على الصحّة من جامعة بيتسبره، وتمت متابعة 97 ألف امرأة على مدى ثمانية أعوام، وبتصنيف المشاركين بناء على اختبار إلى متفائلين أو متشائمين وجد أنّ المتفائلين يتمتعون بصحّة أفضل من المتشائمين، وتقل احتمالية إصابتهم بأمراض القلب إلى 9%، وتقل احتمالية وفاتهم لأي سبب بمعدل 14%، وهم أقل عرضة للاكتئاب والتدخين وينالون قسطاً أوفر من التعليم، ويتلقون دخلاً أكبر، كما أنّهم أكثر تديناً، وقد نشرت الدراسة في دورية جمعية القلب الأميركية.

وفي أوسع دراسة من نوعها لمعرفة العلاقة بين التفكير الإيجابي واحتمالات الإصابة بالجلطات الدماغية تمت متابعة الحالة الصحية لـ6044 رجلاً وامرأة لم يسبق لأي منهم أن أُصيب بجلطة ووضع المشرفون على الدراسة سُلّماً للتفاؤل من 16 درجة، ومع كلّ درجة يحقّقها المشارك تقل احتمالات إصابته بالجلطة بنسبة 9% وفي ختام الدراسة تأكد بما لا يقبل الشكّ العلاقة بين التفاؤل وانخفاض مخاطر الإصابة بالجلطات الدماغية وبين التشاؤم وازدياد هذه المخاطر.

وفي دراسة «مبادرة الصحّة للنِّساء» التي تتبعت أكثر من 100 ألف امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 50 عاماً وأكثر منذ 1994، وجد أنّ النِّساء اللاتي يتمعن بالتفاؤل أقل احتمالاً للوفاة بنسبة 14% لأي سبب مقارنة بالمتشائمات، وأقل احتمالاً بنسبة 30% للوفيات من أمراض القلب بعد 8 سنوات من المتابعة في هذه الدراسة، وهن كذلك أقل احتمالاً للإصابة بارتفاع ضغط الدم والتدخين.

وفي دراسة نشرت عام 2010 بعنوان «التفاؤل وتأثيره على الصحّة الجسدية والعقلية»، أكّد التقرير أنّه ممّا لاشكّ فيه أنّ التفاؤل (وهو سلوك عقلي) يؤثّر وبقوّة على الصحّة الجسدية والعقلية، وأكّد ذلك القدرة على التأقلم مع تحدّيات العمل والمتطلّبات الاجتماعية اليومية. كما تؤكّد نتائج دراسة سيجرستروم وزملائها 1998 والتي أُجريت على الطلاب الجامعيين أنّ التفاؤل قد ارتبط إيجابياً بارتفاع عدد خلايا تي المساعدة والخلايا الطبيعية القاتلة أي زيادة قوّة جهاز المناعة في الجسم للطلّاب المتفائلين عن الطلّاب المتشائمين زيادة كبيرة جدّاً.

وفي دراسة أُجريت عام 2012 على 243 شخصاً من المعمرين الذين تجاوزوا المئة عام بهدف الوقوف على أسباب طول أعمارهن تبيّن كما يقول الباحث الدكتور نير برازيلاي: «أنّهم يتميزون بصفات تعكس نظرتهم ومواقفهم الإيجابية المتفائلة للحياة».

وقد تعدّدت الدراسات والأبحاث حول التفاؤل لتعطينا نتائج واضحة جديرة بالتأمّل والنظر.►

تعليقات

  • almadinaonline.net

    التحفيز الإيجابي والتحفيز السلبي أيهما أفضل(الجزء الثاني)؟ تستطيع قرائة مقال مشابه في موقعنا: https://almadinaonline.net/التحفيز-الإيجابي-والسلبي-الجزء-الثان/

ارسال التعليق

Top